اخبار وتقارير

الأربعاء - 24 ديسمبر 2025 - الساعة 02:00 م بتوقيت اليمن ،،،

#دولة_الجنوب_العربي

لطالما مثّلت التحولات السياسية والجغرافية الكبرى كالفيدرالية أو الكونفدرالية أو حتى الانفصال حلولًا اعتمدتها دول متعددة للخروج من أزمات عميقة، والاستجابة لمطالب الهوية، وتحقيق الاستقرار والتنمية.


وعلى هذه الحقيقة، وفي السياق اليمني الراهن، يمكن الدفاع بموضوعية عن فكرة أن قيام دولة اليمن الجنوبي بات خيارًا أكثر واقعية ومنفعة لليمن والمنطقة.


يمتلك اليمن الجنوبي هوية تاريخية وسياسية وثقافية وجغرافية واضحة، في حين تُظهر التجربة الوحدوية اليمنية منذ 1990 حتى 2015 بأنها لم تتطور إلى دولة مؤسسات وشراكة متكافئة، بل تحولت خصوصًا بعد حرب 1994 إلى مركزية مهيمنة همّشت الجنوب سياسيًا واقتصاديًا.


ومع اندلاع حرب 2015، انهارت الدولة الموحدة فعليًا، وأصبح الحديث عن الحفاظ على وحدة شكلية أقرب إلى الوهم السياسي منه إلى الواقع. المعطيات على أرض الواقع، تكشف أن الجنوب يُدار اليوم أمنيًا وسياسيًا بصورة شبه منفصلة، ويمتلك مؤسسات وقوات وإدارة محلية، الأمر الذي يعكس واقعًا سياسيًا لا يمكن تجاهله.


فانفصال اليمن الجنوبي وقيام دولته سيقلّل الصراع ويحقق الاستقرار على المستوى اليمني والمستوى الإقليمي والدولي؛ إذ إن انفصال الجنوب سيعيد إطار الصراع مع جماعة الحوثيين، وسيجعل الشمال اليمني يعالج أزمته الخاصة بين جماعة الحوثي وبين أسس تأسيس الدولة بعيدا عن أوهام العقدية والمذهبية التي تزعزع استقرار اليمن وتؤجج الصراعات القبلية والمذهبية، كما أنه سيقلّل خطوط الاشتباك مع الحوثية بدلًا من توسعها وسيجعلها تفقد ذرائعها وخطابها الدعائية في الشمال.


أما على المستوى الإقليمي والدولي، سيحقق استقرار اليمن الجنوبي منافع مباشرة، أبرزها تعزيز أمن باب المندب وخطوط الملاحة الدولية، وتقليص النفوذ الإيراني شمالًا. فدولة جنوبية مستقرة ستكون عنصر دعم لأمن الخليج والبحر الأحمر، وشريكًا فاعلًا في حماية الممرات البحرية الحيوية للتجارة العالمية.


أما على صعيد التنمية، وهو الجانب الأهم، فيمتلك الجنوب مقومات حقيقية للبناء والتنمية من موارد طبيعية وبحرية، وموانئ استراتيجية، وكثافة سكانية منخفضة مقارنة بالمساحة، وانسجام اجتماعي وثقافي أعلى بكثير مقارنةً بالشمال. كل هذه العوامل تمنح اليمن الجنوبي فرصة ليكون نموذجًا تنمويًا قابلًا للحياة، ومثالًا إيجابيًا ليس للجنوبيين فحسب، بل لليمنيين عمومًا.


لا يُطرح الانفصال هنا بوصفه حنينًا إلى الماضي أو تمايزًا في الهوية، بل محاولة لإنقاذ المستقبل بكل ما يعني من أمن واستقرار وتنمية، وحقوق، وأجيال حاضرة وقادمة. فالمكونات الجنوبية، عبر المجلس الانتقالي الجنوبي بقيادة عيدروس الزبيدي، تتطلع إلى الأمن والتنمية والمشاركة السياسية. ولا يمكن إنكار وجود مخاوف لدى بعض الأطراف، خاصة في حضرموت، والتي تتعلق بالتهميش أو فقدان المكاسب المادية، غير أن هذه الهواجس سوف تتبدد عبر شراكة داخلية عادلة، وتعزيز اللامركزية، وضمان التمثيل السياسي والاقتصادي.


لسان هذه المقالة يؤكد بأن التاريخ والجغرافيا والواقع السياسي تشير جميعها إلى أن مسار اليمن الجنوبي، بقيادة المجلس الانتقالي الجنوبي، يتجه بثبات نحو قيام دولة مستقرة وآمنة وقابلة للاعتراف الدولي. دولة لا تمثل انفصالًا عن محيطها، بل مدخلًا لإعادة التوازن إلى اليمن والمنطقة، وعاملًا لاستقرار في مواجهة الفوضى والصراعات الممتدة في الشمال.


كما أن قيام اليمن الجنوبي سيُسهم في الحد من النفوذ الإيراني، وتعزيز أمن البحر الأحمر وباب المندب، ويقدّم نموذجًا تنمويًا يمكن أن يشكّل حافزًا للشمال لإعادة بناء دولته على أسس وطنية وتنموية، بعيدًا عن المشاريع العقائدية والمذهبية المتصادمة مع مفهوم الدولة ووظائفها. وعندها فقط يمكن الحديث بجدية عن صيغ تعاونية مستقبلية، سواء في إطار كونفدرالي أو شراكات متوازنة بين دولتين مستقرتين.

المصدر:عدن تايم