اخبار وتقارير

الأربعاء - 26 نوفمبر 2025 - الساعة 09:45 م بتوقيت اليمن ،،،

بقلم المستشار عمر أحمد العمري

في الذكرى الـ58 لعيد الاستقلال الوطني الجنوبي، يقف شعب الجنوب أمام لحظة تاريخية فارقة، تعيد طرح السؤال الجوهري: ما هي الدولة؟ ومن يملك الشرعية؟ وأين تقف الجغرافيا من كل هذا؟

بعد توقيع اتفاقية الوحدة عام 1990 بين جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية (الجنوب) والجمهورية العربية اليمنية (الشمال)، نشأت كيان جديد اسمه "الجمهورية اليمنية"، دولة واحدة مبنية على شراكة بين دولتين مستقلتين، وعضوين كاملين في الأمم المتحدة. هذا الاتفاق كان سياسيًا وقانونيًا بحتًا، ولم يكن اندماجًا شعبويًا أو اندماجًا قسريًا، بل وحدة بين نظامين يفترض أن يتقاسما السلطة والثروة وفقًا لدستور متفق عليه.

لكن ما حدث بعد سنوات قليلة هو انقلاب سياسي وهيمنة شاملة من الطرف الشمالي، تمثلت في حرب 1994 التي أجهضت روح الشراكة، وانتهت باجتياح الجنوب وفرض سلطة المنتصر بالقوة. منذ ذلك اليوم، تلاشت أسس الوحدة، وسقطت الدولة المشتركة فعليًا، وإن ظلت قائمة في الشكل الرسمي والديبلوماسي.

وجاءت السنوات الطويلة من التهميش والنهب والإقصاء التي تعرض لها أبناء الجنوب، لتُراكم القناعة الشعبية بضرورة استعادة الدولة الجنوبية، فبدأ النضال السياسي والسلمي، ثم المسلح، حتى تمكن المجلس الانتقالي الجنوبي، المفوض شعبيًا، من فرض أمر واقع على الأرض في معظم الجغرافيا الجنوبية.
من جهة أخرى، جاء انقلاب جماعة الحوثي عام 2014 ليسقط ما تبقى من معالم الجمهورية اليمنية، وليكرس واقعًا سياسيًا جديدًا في الشمال، مختلفًا كليًا عن الجنوب من حيث السلطة والهوية والتحالفات. الحوثي اليوم لا يعترف بالجمهورية ولا بالدولة اليمنية الموحدة، ويعمل على مشروع ديني سياسي خاص.

أمام هذا الواقع، لم تعد هناك جمهورية واحدة ولا يمن موحد. بل عادت الأمور – بشكل غير معلن – إلى نقطة ما قبل 1990: الشمال يخضع لسلطة الحوثي، والجنوب بيد أبنائه، يسير بخطى ثابتة نحو الاعتراف الدولي، مستندًا على التفويض الشعبي والسيطرة الجغرافية والسياسية.

ما يحدث الآن ليس رغبة في الانفصال، بل تصحيح لمسار تاريخي شوهته الحرب والخيانة السياسية. الجنوب ليس مشروعًا انفصاليًا، بل صاحب حق قانوني ودولي في استعادة دولته التي كانت عضواً كاملاً في الأمم المتحدة حتى 1990. والمجلس الانتقالي اليوم لا يُمثّل حزباً سياسياً فقط، بل حامل لقضية وطنية كاملة، يُخوض باسمها معركة الاعتراف وإعادة التمثيل الدولي.

إن من يتحدث اليوم عن ( يمن واحد) و(جمهورية موحدة)، يتحدث خارج منطق الواقع والقانون، ويتجاهل الانقسام الجغرافي والسلطوي والسياسي القائم فعلياً. الجنوب دولة في طور التثبيت، والشمال في وضع مفكك يعيش مشروعاً خاصاً، وبينهما جمهورية يمنية سقطت دون إعلان رسمي.
ولأن الجغرافيا لا تكذب، ولأن الدماء لا تُشترى، ولأن الشعوب لا تُقهَر إلى الأبد، فإن ما يصنعه شعب الجنوب اليوم هو إرث للتاريخ، ورسالة للأمم: لقد انتهت تلك الوحدة، وسقطت الجمهورية، وآن للجنوب أن يعود إلى موقعه الطبيعي بين دول العالم.