كتابات وآراء


الأحد - 10 أغسطس 2025 - الساعة 09:23 م

كُتب بواسطة : القاضي عبدالناصر سنيد - ارشيف الكاتب


حضرت ورشة عمل مفيده ، موضوعها الانتهاكات التي يتعرض لها الإنسان والتي نظمتها اللجنه الوطنيه للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان ، ولكن ما لفت انتباهي بأن المواضيع الذي أثيرت في هذه الورشه والنقاش المستفيض الذي تم من قبل المشاركين فيها والذي انحصر في ضرورة إنشاء محكمه وطنيه لحقوق الإنسان استناداً على تجارب الآخرين ، ولكن رغم ايماني بضرورة إنشاء مثل هذه المحكمه حتى لايفلت مرتكبي مثل هذه الجرائم من العقاب ،.الا اني ارى بان الوقت لازال غير مناسب لإنشاء مثل هذه المحكمه.
إنشاء محكمه وطنيه لنظر قضايا انتهاك حقوق الإنسان ليس بالعمل السهل ، فنحن لا نمتلك بعد الظروف المثاليه لإنشاء مثل هذه المحكمه ، فلازالت اراضي الدوله موضوع حرب قائمه وان كانت هذه الحرب قد توقفت نظريا ودخلت البلاد في حالة اللاحرب واللاسلم ، البلاد فعليا أصبحت مقسمه جغرافيا بين أربع سلطات أمر واقع ، لكل من هذه السلطات رؤيه خاصه بشأن هذه المحكمه واظن بأن الأطراف المتحاربه بغض النظر عن اانتمائاتها ترفض ضمنيا إنشاء مثل هذه المحكمه خوفا من تداعيات تشكيلها ، فتشكيل اللجنه الوطنيه للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان يعتبر من وجهة نظر الجهات المتحاربه إجراء كافي ويمثل استجابه لالتزامات البلاد تجاه القانون الدولي الإنساني ويجب أن يبقى الحال في اطار ملفات التحقيق وان لاترى مثل هذه الملفات الطريق نحو المحكمه ، وانا اقولها بأسف بأنني اؤيد مثل هذا الطرح استنادا لتجارب الارجنتين إبان الحكم العسكري وكولومبيا إبان الحرب الاهليه ، في الأرجنتين على سبيل المثال انتهى حكم العسكر بنشوء نظام ديمقراطي منتخب ما سمح ببدء إجراء تحقيق شامل ومن تم المحاكمه بينما في كولومبيا وضعت الحرب أوزارها بعد توقيع اتفاقيه سلام بين جبهة فأراك والحكومه الكولومبيه ما مهد الطريق لبداية التحقيقات في وقوع الانتهاكات وانشاء محكمة السلام والذي اؤكل إليها محاكمة مرتكبي مثل هذه الجرائم ، فالاساس الذي قام عليه التحقيق ومن تم المحاكمه هو وجود سلطه منتخبه "الارجنتين" وانتهاء الحرب "كولومبيا' اي أن الظروف المثاليه هي التي أسست لإنشاء مثل هذه المحاكم وهو مانفتقده في بلادنا ، تم أن التشريعات الوطنيه تشريعات مبنيه على قواعد اثباث صارمه وليست مرنه مثل التشريعات الغربيه والتي تقبل بشهادة الضحيه وقد تصدر حكم ادانه بناء على هكذا شهاده كما أن النظام القضائي الغربي يقبل بشهادة متهم ضد المتهم الآخر في ذات الجريمه للوصول إلى الحقيقه على حد تعبير مناصري الفقه القانوني الغربي ولو عبر التضحيه بمنح حصانه يعفى بموجبها المتهم أو يتم تخفيف العقوبه عليه مقابل الإقرار بالجريمة وبيان دور المتهمين الآخرين في ارتكاب الجريمه ، بينما القوانين الوطنيه لاتقبل هذا النوع من الاثباث الذي يظل بنظري ضعيفا وفاقدا للمصداقيه مالم يتم تأكيده بادله موثوقه مثل الإقرار أو شهادة الشهود ، اعلم أن جرائم الانتهاك ضد حقوق الإنسان هي جرائم من الصعب اثباثها لأن المتهمون الرئيسيون يتمتعون بسلطه ومثل هذه الجرائم ترتكب بسريه وفي اماكن احتجاز والقاضي بحاجه الى دليل اثباث موثوق حتى يصل إلى القناعه المناسبه للحكم ، كما يجب الاخد بعين الاعتبار توفير الحمايه المناسبه للمحققين اتناء إجراء التحقيقات وفي مرحلة جمع الادله والقضاة اتناء المحاكمات لأن البدء بالتحقيق في مثل هذه الجرائم قد يعرض المحققين والقضاة على حد سواء للتهديد أو الاغتيال ، كما يجب في ذات السياق توفير الظروف المثاليه والحماية المشدده لحماية الشهود بسبب أن المعلومات التي سوف يقدمها الشهود سوف تؤدي إلى إدانات لمسئولين كبار ، لهذا يجب عدم إنشاء مثل هذه المحكمه لأن إنشائها في الوقت الحالي لن يجلب العداله للضحايا وكفى بالله حسيبا.
القاضي الدكتور عبدالناصر احمد عبدالله سنيد