كتابات وآراء


السبت - 28 سبتمبر 2024 - الساعة 07:09 م

كُتب بواسطة : القاضي عبدالناصر سنيد - ارشيف الكاتب


دائما افتتح يومي قبل الجلوس على كرسي القضاء بكوب ساخن من الشاي بالحليب اتمتع باحتسائه مستمتعا به إلى اخر قطره ، تاركا الكوب في حاله من الذهول لا يدري ماحل به ، الشاي دائما ما ياخد بتلابيب المزاج من عالم إلى عالم آخر يجعلني قادرا على القهقهه والابتسام منفتحا و مقبل على كشف مشحون عن بكرة أبيه بالقضايا التي تنتظر العمل على سرعة الفصل فيها ، افتتح جلساتي بالبسمله قبل أن يبداء الصداع يشق طريقه بصمت يتسلل على استحياء الى راسي ، و يبداء مع مرور الوقت بالاجهاز على كل ما بحوزتي من مخزون الطاقه مع ظهور العلامات الاولى للشعور بالتعب والارهاق تحت وطأة زحمة القضايا و تعالي اصوات نبرات الأطراف بمختلف تردداتها وفقا لمقياس ديسبيل وهي الوحده الخاصه بقياس الاصوات ، فقضايا الأحوال الشخصيه هي نوعيه خاصه من القضايا دائما ما تتضمن الوان عديده من النبرات مابين نبرات تحمل ترددات عاليه ونبرات تكون تردداتها خفيفه يتخللها ردات فعل مابين منضبط و عنيف قبل أن تنفلت هذه النبرات وتخرج من عقالها لتتحول الى مزيج من الصراخ والدموع ، فمثل هكذا صراخ يفسد مزاجي ويجعلني بحاجه ماسه الى بوزه كامله من الشاي للحفاظ على استقرار المزاج ،
فتساءلت لماذا يفضل الناس التعامل بالوان من الصراخ و قطرات من الدموع مع العلم المسبق بأن الصراخ مهما ما اشتد وبلغ مداه الآفاق ليس له اي قيمه أو مردود في نصوص القانون و أن الدموع مهما ما اشتدت غزارتها لا تستطيع أن تحل محل الحجه ، ميزان العداله هو الميزان الوحيد الذي لا ترجح كفتيه تحت ضغط أنواع من الصراخ مهما ما كانت حدتها أو شدتها أو بقطرات من الدموع مهما ماكانت مصداقيتها إنما يرجح ميزان العداله بالحجه والبرهان ،،
استغرب دائما عندما يذكر البعض بنوع من الاستهجان سعة صدر القاضي، ، فسعة صدر القاضي ليس لها حدود فهي لم تخضع مطلقا لاي مفاوضات جاده مع اي جهه كانت من أجل ترسيم مثل هكذا حدود ، فالقانون هو من جعل صدر القاضي عباره عن فضاء واسع يستظل تحت سماحته الجميع ، وجعل من أذن القاضي احدث جهاز استشعار يرصد كل مايدور في الجلسه حتى لو كان في خفة دبيب النمل ، وجعل من بصر القاضي كاميرا ثلاثية الأبعاد تنقل في بث مباشر كل مايدور في الجلسات إلى المحاضر بينما العقل في حالة من الاستنفار من أجل القراءه المتانيه و التحليل لكل الدعاوى والطلبات والدفوع التي تصدع بفصاحه أمام القاضي ،،
المحاكم تفتح أبوابها مع حلول الصباح وتغلق أبوابها مع أفول الظهيره بينما هذه النزاعات بكل ما تحمله من اوزار تحل في ضيافة القاضي تجعل لياليه عامرة بالقلق ، يبحث بين اوراق هذا النزاع أو ذاك عن كيفية تحقيق العداله ...
القاضي الدكتور عبدالناصر احمد عبدالله سنيد
قاضي في محكمة صيره الابتدائيه