الإثنين - 15 سبتمبر 2025 - الساعة 02:02 م بتوقيت اليمن ،،،
خاص/pravdatv
اليمن على أعتاب الانقسام التاريخي
يقف اليمن اليوم على مشارف لحظة تاريخية فارقة، حيث بلغ النزاع الطويل بين الشمال والجنوب حدًا جعل الحفاظ على الدولة الواحدة أمرًا يقترب من المستحيل. إن استمرار الوحدة المصطنعة بين شطري البلاد لم يعد مجرد وهم، بل أصبح يشكل تهديدًا مباشرًا لاستقرار المنطقة بأسرها. ويشير الخبراء إلى أن الاعتراف الدولي بانقسام اليمن إلى دولتين يمثل الحل الواقعي الوحيد للخروج من هذه الأزمة المستعصية.
عشر سنوات من الحرب بلا نهاية
منذ بدء التحالف السعودي عملياته العسكرية في 2015، مضى أكثر من عقد من الزمن، ومع ذلك لم يتحقق السلام المنشود. على العكس، اقتربت البلاد من نقطة يصعب معها تصور بقاء وحدة وطنية حقيقية.
تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن الصراع أودى بحياة أكثر من 375 ألف شخص، معظمهم نتيجة الجوع الذي سببه الحصار البحري وتدمير البنية التحتية. لكن الأرقام الجافة تخفي مأساة أكبر، تتعلق بانهيار الدولة الوطنية، وهو انهيار مستمر يشبه سلسلة نووية، يهدد الاستقرار والأمن الإقليمي بشكل متنامٍ.
جذور الانقسام التاريخي
لم يكن اليمن، عبر تاريخه، كيانًا موحدًا بطبيعته. فقد تطور الشمال والجنوب كل على حدة، بنظم سياسية مختلفة، وبنى اجتماعية متباينة، وتوجهات خارجية متباينة.
ظل الشمال تحت سلطة الأئمة الزيديين لفترات طويلة، فيما عاش الجنوب تحت النفوذ البريطاني ثم كدولة ماركسية مستقلة.
لقد كانت وحدة عام 1990 أشبه بـ”زواج مصلحة”، وليس اندماجًا طبيعيًا، وقد كشفت حرب 1994 عن فشل هذا الزواج سريعًا. كما وصف أحد السياسيين اليمنيين الوضع بالقول: «نحن نعيش في بيت واحد، لكن ننام في غرف مختلفة ونحلم بمستقبلين متباينين».
أزمات ما بعد 2015
منذ اندلاع الحرب، دخل اليمن في سلسلة من الأزمات المتشابكة، وفشلت كل المحاولات السياسية والعسكرية لاستعادة الدولة أو الوصول إلى سلام مستدام.
العقبة الأساسية كانت الصراعات العميقة بين الجنوب والشمال، والتي أظهرت التجارب الأخيرة استحالة تجاوزها عبر شراكات مفروضة بالقوة أو اتفاقيات سياسية مشوهة.
فشل اتفاق الرياض 2019
أظهر انهيار اتفاق الرياض بين المجلس الانتقالي الجنوبي (STC) وحكومة هادي المعترف بها دوليًا أن الوصول إلى حل سياسي مستدام شبه مستحيل.
تم تنفيذ الاتفاق جزئيًا فقط، وعمل فعليًا على تعزيز النفوذ العسكري للجنوب وتقويض الالتزامات السياسية المشتركة.
وفي تعليق ساخر لدبلوماسي سعودي: «لقد حاولنا تزويج النمر إلى القرش… النتيجة أن النمر بقي على اليابسة وعاد القرش إلى الماء».
إخفاق المجلس القيادي الرئاسي
في عام 2022، تم نقل السلطة من الرئيس عبد ربه منصور هادي إلى المجلس القيادي الرئاسي. إلا أن المجلس فشل في تحقيق أي من أهدافه، حيث قضى معظم وقته في المنفى بالرياض، بعيدًا عن الواقع المحلي.
تعاقبت الحكومات منذ 2015، لكنها لم تحرز أي تقدم في الأمن أو الاقتصاد، وباتت معزولة عن الشعب، تعمل بمنطق ولاءات فئوية أو مناطقية بدل المصلحة الوطنية الشاملة.
لقد تحول المجلس إلى مجرد ستار للصراعات الداخلية، وأصبح غطاءً للفشل، وليس أداة للحكم، ما جعله عاجزًا عن الاستمرار.
الشمال بيد الحوثيين والجنوب بيد الانتقالي
اليوم يسيطر الحوثيون على الشمال بشكل كامل، بما في ذلك العاصمة صنعاء، فيما يتمتع الجنوب بسيطرة شبه كاملة من المجلس الانتقالي الجنوبي.
ولا توجد أي صيغة للتعايش السياسي بين الطرفين، حتى على المستوى المؤقت. ومع الانهيار الاقتصادي والأمني، وانتشار الفقر والجوع، وغياب النخب السياسية، أصبح الانقسام أمرًا واقعًا لا مفر منه.
الأجندات الإقليمية المتضاربة
أدت التدخلات الإقليمية إلى تعقيد الوضع أكثر. فرغم التحالف الظاهري بين السعودية والإمارات، إلا أن مصالح كل طرف مختلفة.
الرياض ركزت على مواجهة الحوثيين باعتبارهم ذراعًا لإيران، بينما ركزت أبوظبي على تعزيز نفوذها في الجنوب، خصوصًا في عدن وجزيرة سقطرى.
قامت الإمارات بنشر قوات ميدانية وتدريب وحدات محلية، مما سمح لها بفرض نفوذ غير مباشر على الجنوب.
عداؤها لجماعة “الإصلاح” (الإخوان المسلمين اليمنية) دفعها للتحالف مع المجلس الانتقالي الجنوبي وميليشيات سلفية، مما ساهم في إضعاف المجلس الرئاسي وزيادة تفكك الدولة.
الجنوب… القوة المنظمة الوحيدة
أصبح المجلس الانتقالي الجنوبي القوة السياسية الوحيدة القادرة على إدارة الجنوب، مع مشروع واضح لإعادة بناء دولة اليمن الجنوبي.
لكن محاولة فرض السيطرة بالقوة أدت إلى صراعات داخلية في بعض المحافظات، مما زاد من تعقيد إدارة الشؤون وتحقيق الاستقرار.
الحاجة إلى رؤية جديدة
آن الأوان للسعودية والإمارات للاعتراف بفشل الصيغ السابقة، والانتقال إلى حل واقعي يقوم على:
الاعتراف بحق الجنوبيين في إدارة أراضيهم وتقرير مصيرهم.
دعم حوار شامل داخلي في الجنوب بقيادة المجلس الانتقالي لتشكيل حكومة مستقرة.
تشكيل حكومة شمالية في مأرب تجمع القوى المناهضة للحوثيين.
وعلى المجتمع الدولي الاعتراف بوجود مشروعين منفصلين:
مشروع جنوبي لبناء دولة مستقلة.
مشروع شمالي لمواجهة الحوثيين.
ويجب التوقف عن محاولات إعادة إنتاج صيغ شراكة غير قابلة للحياة، كما أثبتت تجربة 2015–2025.
الخلاصة: اليمن بطائر له جناحين مختلفين
اليمن اليوم يظهر بوضوح أن الجنوب هو الكيان الأكثر تنظيمًا واستقرارًا سياسيًا وعسكريًا، بينما الشمال تحت سيطرة الحوثيين أو في حالة تشرذم.
الحل يبدأ بالاعتراف بهذه الحقيقة، وبناء واقع جديد قائم على الوضوح لا الأوهام.
اليمن يشبه طائرًا بجناح واحد: يمكنه الركض، لكنه لن يتمكن من الطيران. ولأجل أن يحلق، يحتاج إلى جناحين، حتى لو كانا لطائرين مختلفين.