السبت - 10 مايو 2025 - الساعة 11:26 م بتوقيت اليمن ،،،
كتب| بسمة نصر اليافعي
في لحظة تختلط فيها معاناة الناس بتخاذل السلطات، وتُثقل الأزمات كاهل المواطن الجنوبي يومًا بعد آخر، برزت من قلب العاصمة عدن اليوم صورة ملهمة ومشرّفة؛ صورة نساء جنوبيات، مناضلات ماجدات، خرجن بأصواتهن ووجعهن، ليجعلن من ساحة العروض منصة للغضب المشروع والمطالبة العاجلة بحقوق بديهية: كهرباء، ماء، وقيمة حقيقية للعملة المحلية.
لم تكن هذه التظاهرة مجرد فعالية نسوية تقليدية، بل كانت نداءً شعبيًا واضحًا يحمل في طياته رسائل عميقة؛ فقد تصدّرت المرأة الجنوبية الصفوف، كعادتها في كل محطات النضال، ولكن هذه المرة ليس ضد محتل خارجي أو نظام قمعي فحسب، بل ضد "اللامبالاة"، وضد "العبث بالخدمات"، وضد "تدهور الاقتصاد" الذي بات يهدد قدرة الناس على البقاء.
*المرأة الجنوبية.. صوت الضمير الجمعي*
لطالما كانت المرأة في الجنوب شريكة أساسية في كل التحولات، من الحراك الشعبي إلى الجبهات وحتى في الساحات السياسية والاجتماعية. وها هي اليوم تؤكد من جديد أن مسؤولية الدفاع عن الحياة الكريمة ليست حكرًا على أحد. خروج النساء إلى الشارع للمطالبة بالماء والكهرباء لا يعكس فقط حجم الأزمة، بل يعكس عمق الإحباط من تجاهل مطالب الناس، وتهاوي مؤسسات الدولة في تلبية أبسط الواجبات.
لقد تحولت هذه التظاهرة إلى ما يشبه صرخة إنسانية جماعية، تحمل مطالب عادلة وأصيلة؛ فالكهرباء ليست ترفًا، بل حاجة يومية، والماء ليس مجرد خدمة بل حق إنساني، والحفاظ على قيمة العملة المحلية هو مسؤولية سيادية لا يمكن التهاون فيها أو اعتبارها أمرًا ثانويًا.
*من عدن إلى الجنوب كله: معاناة تتكلم بلسان واحد*
الرسالة التي صدحت بها حناجر النساء في عدن، ليست موجهة فقط للجهات المسؤولة في العاصمة، بل تتعداها إلى كل محافظات الجنوب التي تعاني الوضع ذاته، أو أشد. فالخدمات تنهار بوتيرة متسارعة، وأسعار السلع تلامس السماء، بينما الرواتب راكدة، وفرص العمل شحيحة، وأبواب الحلول إما موصدة أو مؤجلة بحجة الحرب والانقسامات.
لقد أصبحت الأسر الجنوبية أمام خيارين: إما التكيّف مع المعاناة والصمت، أو الصراخ بأعلى صوت، وهو ما قامت به هؤلاء النسوة الجسورات.
*رسالة إلى الرئاسة والحكومة: صبر الناس ليس أبديًا*
من بين أبرز ما خرجت به هذه التظاهرة، هو دعوة النساء للحكومة ومجلس القيادة الرئاسي إلى اتخاذ خطوات عملية وجريئة لإيقاف هذا الانهيار، بدءًا من قطاع الخدمات، ومرورًا باستقرار العملة، وليس انتهاءً بوضع حد للفساد الإداري والمالي الذي يعصف بقدرة مؤسسات الدولة على القيام بمهامها.
لا يمكن لأي سلطة تحترم نفسها أن تظل متفرجة على معاناة الناس، ولا يمكن لأي حكومة أن تطلب من المواطن الصبر وهي لا تقدّم له الحد الأدنى من متطلبات الحياة. السكوت الرسمي لم يعد يُحتمل، والتبريرات لم تعد تقنع أحدًا، والوضع لم يعد يحتمل التأجيل.
*في الختام: حراك نسوي يوقظ الضمير السياسي*
إن ما شهدته ساحة العروض بعدن، ليس حدثًا عابرًا، بل هو مؤشر على تحوّل جديد في ديناميات الحراك الشعبي، تقوده النساء، ويحمل مطالب إنقاذية عاجلة. هذه التظاهرة، التي حملت صوت الأمهات، والموظفات، والمكافحات في البيوت والشوارع، تمثل جرس إنذار صادق للسلطة: إما الإصغاء لصوت الناس، أو فقدان ما تبقى من الثقة.
فلنقف جميعًا أمام هذه الرسالة النبيلة بكل مسؤولية، ولنعترف أن المرأة الجنوبية، مرة أخرى، تسبقنا في قول الحقيقة، والدفاع عن الوطن من موقع الحياة اليومية، لا من خلف مكاتب السلطة.